فصل: سئل:‏ عن المسح فوق العصابة؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


 وَسُئِلَ عن الخف إذا كان فيه خرق يسير‏:‏ هل يجوز المسح عليه أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

وأما الخف إذا كان فيه خرق يسير ففيه نزاع مشهور‏.‏ فأكثر الفقهاء على أنه يجوز المسح عليه، كقول أبي حنيفة ومالك‏.‏ والقول الثإني‏:‏ لا يجوز‏.‏ كما هو المعروف من مذهب الشافعى وأحمد قالوا‏:‏ لأن ما ظهر من القدم فرضه الغسل وما استتر فرضه المسح، ولا يمكن الجمع بين البدل والمبدل منه‏.‏

والقـول الأول هـو الراجح، فإن الرخصة عامة، ولفظ الخف يتناول ما فيه من الخرق ومـا لا خـرق فيه، لاسـيما والصحابـة كان فيهم فقراء كثيرون، وكانوا يسافرون، وإذا كان كذلك فلابـد أن يكـون في بعض خفافهم خـروق، والمسافـرون قد يتخرق خف أحدهم ولا /يمكنه إصلاحه في السفر، فإن لم يجز المسح عليه، لم يحصل مقصود الرخصة‏.‏

وأيضًا، فإن جمهور العلماء يعفون عن ظهور يسير العورة، وعن يسير النجاسة التي يشق الاحتراز عنها‏:‏ فالخرق اليسير في الخف كذلك‏.‏

وقول القائل‏:‏ إن ما ظهر فرضه الغسل‏:‏ ممنوع، فإن الماسح على الخف لا يستوعبه بالمسح كالمسح على الجبيرة، بل يمسح أعلاه دون أسفله وعقبه، وذلك يقوم مقام غسل الرجل، فمسح بعض الخف كاف عما يحاذى الممسوح وما لا يحاذيه، فإذا كان الخرق في العقب لم يجب غسل ذلك الموضع ولا مسحه، ولو كان على ظهر القدم لا يجب مسح كل جزء من ظهر القدم، وباب المسح على الخفين مما جاءت السنة فيه بالرخصة حتى جاءت بالمسح على الجوارب والعمائم وغير ذلك، فلا يجوز أن يتناقض مقصود الشارع من التوسعة بالحرج والتضييق‏.‏

 وسُئِلَ‏:‏ هل يجوز المسح على الجورب كالخف أم لا‏؟‏ وهل يكون الخرق الذي في الطعن مانعًا من المسح، فقد يصف بشرة شيء من محل/ الفرض‏؟‏ وإذا كان في الخف خرق بقدر النصف أو أكثر هل يعفي عن ذلك أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

نعم يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشى فيهما، سواء كانت مجلدة أو لم تكن في أصح قولى العلماء‏.‏ ففي السنن‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه‏.‏ وهذا الحديث إذا لم يثبت، فالقياس يقتضى ذلك، فإن الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود، ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة، فلا فرق بين أن يكون جلودًا أو قطنا أو كتانًا أو صوفًا، كما لم يفرق بين سواد اللباس في الإحرام وبياضه ومحظوره ومباحه، وغايته أن الجلد أبقى من الصوف‏:‏ فهذا لا تأثير له، كما لا تأثير لكون الجلد قويًا، بل يجوز المسح على ما يبقى وما لا يبقى‏.‏

وأيضًا، فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا كالحاجة إلى المسح على هذا سواء، ومع التساوى في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقًا بين المتماثلين، وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة، وما أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله ومن فرق بكون هذا ينفذ الماء منه وهذا لا ينفذ منه، فقد ذكر فرقا طرديا عديم التأثير‏.‏

/ولو قال قائل‏:‏ يصل الماء إلى الصوف أكثر من الجلد فيكون المسح عليه أولى للصوق الطهور به أكثر، كان هذا الوصف أولى بالاعتبار من ذلك الوصف وأقرب إلى الأوصاف المؤثرة، وذلك أقرب إلى الأوصاف الطردية، وكلاهما باطل‏.‏

وخروق الطعن لا تمنع جواز المسح، ولو لم تستر الجوارب إلا بالشد، جاز المسح عليها على الصحيح، وكذلك الزربول الطويل الذي لا يثبت بنفسه ولا يستر إلا بالشد‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وَقَالَ ـ رَحمَهُ الله‏:‏

لما ذهبت على البريد وجدَّ بنا السير وقد انقضت مدة المسح، فلم يمكن النزع والوضوء إلا بانقطاع عن الرفقة، أو حبسهم على وجه يتضررون بالوقوف، فغلب على ظنى عدم التوقيت عند الحاجة كما قلنا في الجبيرة، ونزلت حديث عمر وقوله‏:‏ لعقبة بن عامر‏:‏ ‏(‏أصبت السنة‏)‏ على هذا توفيقًا بين الآثار ثم رأيته مصرحًا به في مغازى ابن عائد‏:‏ أنه كان قد ذهب على البريد كما ذهبت لما فتحت دمشق، ذهب بشيرًا بالفتح من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة، فقال له عمر‏:‏ منذ كم لم تنزع خفيك‏؟‏ فقال‏:‏ منذ يوم الجمعة، قال‏:‏ أصبت، فحمدت الله على الموافقة‏.‏

/وهذا أظنه أحد القولين لأصحابنا، وهو‏:‏ أنه إذا كان يتضرر بنزع الخف، صار بمنزلة الجبيرة‏.‏ وفي القول الآخر‏:‏ أنه إذا خاف الضرر بالنزع تيمم ولم يمسح، وهذا كالروايتين لنا إذا كان جرحه بارزًا يمكنه مسحه بالماء دون غسله فهل يمسحه أو يتيمم له‏؟‏ على روايتين‏.‏ والصحيح المسح؛ لأن طهارة المسح بالماء أولى من طهارة المسح بالتراب، ولأنه إذا جاز المسح على حائل العضو فعليه أولى‏.‏

وذلك أن طهارة المسح على الخفين طهارة اختيارية، وطهارة الجبيرة طهارة اضطرارية‏.‏ فماسح الخف لما كان متمكنًا من الغسل والمسح وقت له المسح، وماسح الجبيرة لما كان مضطرًا إلى مسحها لم يوقت، وجاز في الكبرى، فالخف الذي يتضرر بنزعه جبيرة‏.‏ وضرره يكون بأشياء‏:‏ إما أن يكون في ثلج وبرد عظيم، إذا نزعه ينال رجليه ضرر، أو يكون الماء باردًا لا يمكن معه غسلهما، فإن نزعهما تيمم، فمسحهما خير من التيمم، أو يكون خائفًا ـ إذا نزعهما وتوضأ ـ من عدو أو سبع، أو انقطاع عن الرفقة في مكان لا يمكنه السير وحده، ففي مثل هذه الحال له ترك طهارة الماء إلى التيمم، فلأن يجوز ترك طهارة الغسل إلى المسح أولى‏.‏ ويلحق بذلك إذا كان عادمًا للماء ومعه قليل يكفي لطهارة المسح لا لطهارة الغسل، فإن نزعهما تيمم، فالمسح عليهما خير من التيمم‏.‏

/وأصل ذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يمسح المقيم يومًا وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن‏)‏ منطوقه إباحة المسح هذه المدة، والمفهوم لا عموم له، بل يكفي ألا يكون المسكوت كالمنطوق، فإذا خالفه في صورة حصلت المخالفة، فإذا كان فيما سوى هذه المدة لا يباح مطلقًا، بل يحظر تارة ويباح أخرى حصل العمل بالحديث، وهذا واضح، وهى مسألة نافعة جدًا‏.‏

فإنه من باشر الأسفار ـ في الحج والجهاد والتجارة وغيرهما ـ رأي أنه في أوقات كثيرة لا يمكن نزع الخفين والوضوء إلا بضرر يباح التيمم بدونه، واعتبر ذلك بما لو انقضت المدة والعدو بإزائه، ففائدة النزع الوضوء على الرجلين، فحيث يسقط الوضوء على الرجلين يسقط النزع وقد يكون الوضوء واجبًا لو كانا بارزتين، لكن مع استتارهما يحتاج إلى قلعهما وغسل الرجلين ثم لبسهما ثانيًا إذا لم تتم مصلحته إلا بذلك بخلاف ما إذا استمر فإن طهارته باقية، وبخلاف ما إذا توضأ ومسح عليهما، فإن ذلك قد لا يضره‏.‏

ففي هذين الموضعين لا يتوقت إذا كان الوضوء ساقطًا فينتقل إلى التيمم، فإن المسح المستمر أولى من التيمم، وإذا كان في النزع واللبس ضرر يبيح التيمم، فلأن يبيح المسح أولى‏.‏ والله أعلم ‏.‏

/ وَسُئِلَ ـ رَضى الله عَنّهُ ـ عن قلع الجبيرة بعد الوضوء‏:‏ هل ينقض الوضوء أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد للَّه، هذا فيه نزاع، والأظهر أنه لا ينتقض الوضوء كما أنه لا يعيد الغسل؛ لأن الجبيرة كالجزء من العضو‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وَسُئِلَ‏:‏ عن المسح فوق العصابة‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد للَّه‏.‏ إن خافت المرأة من البرد ونحوه مسحت على خمارها، فإنَّ أم سلمة كانت تمسح خمارها، وينبغي أن تمسح مع هذا بعض شعرها، وأما إذا لم يكن بها حاجة إلى ذلك ففيه نزاع بين العلماء‏.‏